
📖 رواية في خاطرهما
كان غارقًا في قراءة رواية أحلام مستغانمي “الأسود يليق بك”، ربما للمرة العاشرة. بعض الروايات ليست مجرد كلمات، بل أبواب نسترجع من خلالها ذكريات وأحداثًا نخشى أن تنفلت من ذاكرتنا. كانت تلك الرواية بالنسبة له ليست فقط لذة القراءة، بل وسيلة لضبط فصول حياته وربطها بمحطات لا يريد لها أن تضيع.
فنجان قهوته ما زال مترعًا، وحبات القرنفل طافية على سطحه. ارتشف منه قليلًا بينما عينيه تتجولان بين سطور الرواية، ثم قطع صفو اللحظة رنين المنبه في هاتفه المحمول، يذكره بمراجعة مكتب التحويلات المالية. وضع الرواية بحرص على الرف، كأنما يودع قطعة من قلبه، وألقى عليها نظرة حملت كل حبه وتعلقه.
في نهاية الشارع الثالث، دخل المكتب. احتد النقاش بينه وبين الموظف، الذي فرض رسومًا عالية على تحويله المالي، ضئيل القيمة أساسًا. قال الموظف بلهجة صلفة:
“أنتم هنا أجانب، والبلاد تصرف عليكم، ولا تستفيد منكم إلا هذه الرسوم على تحويلاتكم.”
أغاظه الكلام وملأ صدره ألمًا، لكنه سرعان ما غلبه صوت العقل. حدّث نفسه: “هو محق… نحن لاجئون، غرباء في أرض ليست أرضنا، نستحق كل هذا. أضعنا بلادنا بالصراعات والمغامرات، ودفعنا ثمنًا باهظًا لمؤامرات دول تسعى لتدمير أوطاننا والسيطرة على مواردنا.”
ترك المكتب وعاد إلى منزله، قلبه مثقل، لكنه ما لبث أن استعاد هدوءه. وقبل أن يفتح روايته مجددًا، رنّ هاتفه برسالة. فتحها، فإذا بها صوتها يصدح في أذنه:
“قرأت رواية الأسود يليق بك أكثر من مرة، وفي كل صفحة كنت أراك… ألا تذكر أنك وعدتني بها؟ لكنك لم توفق في إرسالها لي.”
قالتها بلطف، محاولة أن تخفف وطأة شعوره بالخذلان، وهو الذي حاول مرارًا أن يرسلها إليها لكنه فشل. حرصت هي أن تقتنيها وقرأتها من أجله، لتبقى حاضرة في عالمه.
ظل عينيه مسمّرتين على الرسالة، الوقت متوقف من حوله، حتى أفاق على صوت الأذان ينادي لصلاة المغرب.