اخبار
أخر الأخبار

رمضان في السودان.. تمسك بالعادات رغم لهي الحرب

📝 خالد شرف الدين أحمد

 


مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تنهمك الأسر السودانية في استعداداتها المعتادة، تحاول التمسك بعبق الطقوس القديمة رغم قسوة الحرب التي تلقي بظلالها على المشهد منذ ثلاث سنوات. في المنافي ومعسكرات النزوح والمدن التي أنهكتها الصراعات، تتجلى روح الصبر والتكافل، إذ يصر السودانيون على استقبال الشهر الفضيل بما تيسر، مستلهمين من رمضان قيم العطاء والتضامن.

 

الآبري.. المشروب الرمضاني الذي قاوم الحرب

 

في الدمازين، بإقليم النيل الأزرق، تبتسم رماح رغم كل شيء، وترسل تهانيها عبر أثير الإذاعات إلى أهل السودان، القريب منهم والبعيد. تقول إنها، مثل كثير من النساء، أعدت ما استطاعت من احتياجات الإفطار، ولم تستطع التخلي عن “الآبري” أو “الحلومر”، ذلك المشروب السوداني المتوارث الذي يأبى أن يختفي حتى في أسوأ الظروف. ورغم شح الإمكانيات، فإن شباب وشابات المدينة لم يتركوا النازحين وحدهم، إذ أطلقوا مبادرات لتوفير وجبات الإفطار للمتضررين في المعسكرات، في مشهد يعكس أصالة التكافل السوداني.

 

أما في القضارف، فتشعر تغريد بغصة في قلبها، إذ يحل رمضان هذا العام وهي غير قادرة على تحضير المشروبات التقليدية والمأكولات الرمضانية التي كانت تزين موائد الأسر. للمرة الأولى، وجدت نفسها محرومة من إعداد “الآبري”، ذلك الطقس الذي ارتبط بذكريات الطفولة واللمة العائلية.

 

وفي أحد معسكرات النزوح، تروي ليلى، القادمة من الخرطوم، بمرارة كيف تبدلت أحوال رمضان، من تجهيزات عامرة بالمحبة والفرح، إلى محاولات شاقة لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات. “نتمنى أن تتوقف الحرب، حتى نعود إلى حياتنا الطبيعية ونستعيد أجواء رمضان كما كانت”، تقول بحنين يملأ صوتها.

 

رمضان هذا العام.. نار الأسعار ولهيب الغلاء

 

الخنساء، التي كانت تنتظر كعادتها “الزوادة” الرمضانية من أقاربها في الجزيرة—تمر، بليلة، كركدي، والآبري—وجدت نفسها هذا العام محرومة من هذه العادة الجميلة التي ربطت الأسر السودانية لعقود. الحرب فرّقت الأهل، وأوقفت طرق التجارة، وأغلقت الأبواب التي كانت تُفتح بمحبة عند حلول الشهر الفضيل.

 

وفي القضارف، تتابع لواحظ الأسواق بعين الحسرة، حيث تضاعفت الأسعار وأصبح تحضير “الآبري” مكلفًا للغاية، ما دفع كثيرًا من الأسر إلى تقليل الكميات أو الاستغناء عنه تمامًا.

 

أما أم الحسن في عطبرة، فتتذكر كيف كانت المدينة تتزين برائحة “الحلومر” في مثل هذه الأيام، بينما أصبح الآن من الكماليات التي تعجز كثير من الأسر عن توفيرها. “الأولوية الآن للأمان أكثر من أي شيء آخر”، تقول بحزن، مشيرة إلى أزمة السيولة وتوقف المرتبات وارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما زاد من معاناة الأسر، خاصة تلك التي كانت تعتمد على دعم أبنائها في الداخل والخارج. ورغم قسوة الواقع، تبقى متفائلة بأن رمضان يحمل الخير والبركات، متمنية أن يعم السلام البلاد قريبًا.

 

التكافل الاجتماعي.. شريان الحياة في زمن الأزمات

 

رغم الظروف العصيبة، لا يزال التكافل الاجتماعي حاضراً بقوة في المشهد السوداني. حليمة من عطبرة، تتحدث عن المبادرات التي أطلقها الأهالي، حيث اجتمعوا لتجهيز المستلزمات الرمضانية عبر جمعيات صغيرة، فتم تحضير “الآبري” رغم الصعوبات. لكنها تتذمر من بعض التجار الذين يستغلون الطلب المتزايد في رمضان لرفع الأسعار، متمنية أن تتحسن الأوضاع قريبًا.

 

رمضان في دارفور.. حينما يصبح الطقس مقاومة

 

في برام، بولاية جنوب دارفور، تنجح حواء في الحفاظ على بعض الطقوس الرمضانية رغم كل شيء، إذ اجتمعت مع نساء الحي لتحضير “الآبري” و”الرقاق”، في مشهد يذكرهن بأيام السلام. طقس “العواسة”، الذي يشبه “النفير الجماعي”، لا يزال صامدًا، حيث تتعاون النساء في صنع المشروب الشعبي وسط أحاديث دافئة تخفف عنهن وطأة المعاناة.

 

وتضيف حواء أن النساء اعتدن تجديد أواني المشروبات الرمضانية كل عام، لكن الحرب غيرت الأولويات، فأصبح من الأفضل استخدام المتاح بدلاً من شراء الجديد. ومع ذلك، لا تزال مشروبات مثل “القنقليز” و”العرديب” و”القضيم” والكركدي حاضرة على موائد الإفطار، حيث تلجأ الأسر إلى ثمار الأشجار المحلية كبديل عن المشروبات التي باتت مكلفة.

 

رمضان رغم الحرب.. الأمل لا يموت

 

رغم استمرار الحرب لثلاث مواسم رممضانية، يبقى رمضان مناسبة مفعمة بمعاني الصبر والتراحم. وبينما يواجه السودانيون ظروفاً قاسية، تتشبث الأسر بما تستطيع من تقاليدها، ولو بجهد أقل وإمكانيات محدودة. وبينما يجلس الأطفال في معسكرات النزوح حول مائدة إفطار متواضعة، تضيء أعينهم بشعور الدفء والانتماء، ليبقى الأمل معلقًا بانتهاء الحرب، وعودة الاستقرار، وعودة رمضان كما كان.. شهرًا يعمه الفرح والاجتماع حول مائدة واحدة في وطن ينعم بالسلام.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى