
جلس خرباش تحت ظل شجرة شوك في أطراف أبوزبد، يراقب الأبقار وهي ترعى في هدوء. أخذ هاتفه بتردد، ثم ضغط على الرقم، متوقعًا أن تمر المكالمة بسلام. لكنه لم يكن يدري أنه على وشك ارتكاب أكبر حماقة في حياته.
رن الهاتف في البادية حيث تقيم مرضية، الزوجة الكبرى، وسط بناتها ووالدتها العجوز وأخواتها. التقطت مرضية الهاتف وردت بصوت بارد:
“ألو…!”
جاء صوت خرباش محاولًا أن يبدو طبيعيًا:
“انتبهوا للبقرات… لامن الضكيرة ترجع بعد ولدها يتعالج، والعجال التويانات ساعدوهن، ما يرقدن فترة طويلة، شقلبوهن!”
رفعت مرضية حاجبها ساخرة:
“انت عندك شنو في أبوزبد؟”
حاول أن يتفادى النقاش:
“أنا متين جيت أبوزبد؟”
لكنها لم تكن مستعدة للتراجع:
“حالة كي كي يعني؟! قاعد هناك وما تورينا؟!”
نفد صبر خرباش، فرد بانفعال:
“أنا قاعد هنا ما حبا في القعاد، عندي عذر خلاني أقعد، يعني جعلني أقعد هنا!”
مرضية، وقد بلغت نار غيرتها مداها، حسمت الأمر بغضب:
“خلاص، بتن ما تتكلم لي! لا تحادثني!”
شعر خرباش أن الأمر خرج عن السيطرة، فحاول التبرير:
“يا مرضية، عندي بقرات هنا، ما بقدر أخلِّيهن بلا راعي، تفتكريني قاعد لشنو؟!”
لكنها لم تترك له مجالًا للهرب:
“ومالك ما دقيت لي؟! كل مرة تتصل بالضكيرة، وأنا كأني ما زول؟!”
ازدادت حيرته، فحاول التملص:
“أدق ليك أنا وين؟! أنا في الخلا مع البهائم!”
لكنها عاجلته:
“أنا سامعاك! سامعة كلامك معاها!”
وجد نفسه محاصرًا بأسئلتها القوية، لكنه لم يستسلم بسهولة، فرد بلهجة دفاعية:
“الضكيرة كلمتها عشان الشغل، مش عشان أملأ فراغي!”
لم يعجبها جوابه، فردت بحدة:
“وأنا مالي ما بتكلمني؟! هي اسمح مني؟! أسأل عني وعن بناتي!”
أحس بالعرق يتصبب من جبينه، لكنه حاول أن يبدو ثابتًا:
“كيف ما سألت؟!”
لكنها لم تمهله:
“ما سألت! كيف تسألها وما تكلمنا؟! بتخاف مني ولا شنو؟!”
شعر أن لا مفر، فقرر أن “يخربش” بالفعل، فقال بفظاظة:
“أنا بتحاشى أتكلم معاك بسبب ثرثرتك وكلامك الفارغ!”
هنا، احتدم النقاش ولم يعد أحدهما يستمع للآخر. ارتفع صوت مرضية بغضب، ثم حسمت الأمر:
“أنا بالتان ما قاعدة ليك! ماشه الصعيد!”
سقط الهاتف من يد خرباش. ارتبك وقال متلعثمًا:
“كيف تمشي الصعيد؟! انت ما نصيحة، الزمي البهايم لامن الضكيرة ترجع ليكم!”
لكن مرضية لم تعد تسمع شيئًا. انفلتت أعصابها وأطلقت كلمات نابية، مما اضطر والدتها وأخواتها للتدخل. ارتفع صوت أمها العجوز تحاول تهدئتها، لكن صوت خرباش كان قد اختفى تمامًا…
أما مرضية، فقد بقيت في باديتها، ترعى الأبقار، رغم كل المرارات، فيما كانت الضكيرة قد استأثرت بخرباش تمامًا…