مقالات الرأي عالمي
أخر الأخبار

تأجير الأرحام: بين المشروعية والتحريم

بقلم: ناهد الروبي

يُعد تأجير الأرحام أو الحمل البديل من أكثر القضايا إثارةً للجدل على المستويات الإنسانية، والنفسية، والدينية. فقد لجأ العديد من الأزواج في مختلف دول العالم إلى هذا الحل لأسباب صحية تمنع المرأة من الحمل الطبيعي، بينما اعتمدته بعض الفئات لأسباب أخرى، كما هو الحال في الدول الأكثر تحررًا، حيث يُستخدم هذا الإجراء من قبل الأزواج المثليين لتحقيق حلم الأبوة، أو من قبل بعض المشاهير حفاظًا على مظهرهم الجسدي ومسيرتهم المهنية.

أنواع تأجير الأرحام

النوع الأول: الحمل التقليدي

في هذا النوع، يتم تلقيح بويضة الأم البديلة إما عن طريق التلقيح الطبيعي أو التلقيح الصناعي داخل مراكز الخصوبة، بحيث تصبح الأم البديلة هي الأم البيولوجية للطفل. وبموجب الاتفاق، تتخلى عن الطفل فور ولادته مقابل مبلغ مالي. ويُلاحظ انتشار هذا النوع بشكل أكبر بين الأزواج المثليين.

النوع الثاني: الحمل البديل (الرحم المستأجر)

هنا، يتم استخدام الرحم فقط دون مشاركة الأم البديلة في المادة الوراثية، حيث تُزرع بويضة مخصبة للأبوين داخل رحم امرأة أخرى. ويكون الأبوان إما زوجين شرعيين، أو طرفين متفقين على الإنجاب كما هو الحال في بعض الدول الغربية، أو يتم شراء بويضة ملقحة من مختبرات علمية وتأجير رحم لاحتضانها.

بين الحلال والحرام: جدل لا ينتهي

يحتدم النقاش حول تأجير الأرحام بين مؤيد يرى فيه تحقيقًا لحلم الأبوة لمن حُرموا من الإنجاب، ومعارض يعتبره استغلالًا اقتصاديًا للفئات الفقيرة، خاصة أن معظم النساء اللواتي يوافقن على هذه الصفقات ينتمين لطبقات اجتماعية متدنية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك انتشار الظاهرة في الهند، حيث يتم استغلال الفقر لدفع النساء لقبول تأجير أرحامهن مقابل المال.

تأجير الأرحام في الدول الغربية

حتى في الدول الغربية، ينقسم الموقف القانوني حول مشروعية تأجير الأرحام:

1. الولايات المتحدة الأمريكية: تختلف القوانين من ولاية إلى أخرى، حيث تسمح بعض الولايات مثل نيويورك وكاليفورنيا بتأجير الأرحام وفق شروط محددة، بينما تمنعه ولايات أخرى.

2. أستراليا: يقتصر تأجير الأرحام على حالات غير تجارية في بعض الولايات مثل جنوب أستراليا وفيكتوريا، حيث أُجريت أول عملية من هذا النوع عام 1988، وفقًا لقوانين تنظيمية تمنح الأم البديلة بعض الحقوق، مثل الاحتفاظ بالمولود أو تسليمه خلال ثلاثة أيام من الولادة.

3. فرنسا: وفقًا للقانون الصادر في يوليو 1994، تم تجريم الوساطة في تأجير الأرحام، إلا أن القانون لم يُجرّم العقد إذا تم دون وساطة.

 

رأي الهيئات الإسلامية

أجمعت المجامع الفقهية والهيئات الإسلامية على تحريم تأجير الأرحام للأسباب التالية:

1. اختلاط الأنساب: وجود طرف ثالث (الأم البديلة) يؤدي إلى صعوبة تحديد النسب الحقيقي للطفل، مما قد يتسبب في ارتباك قانوني واجتماعي.

2. انتهاك قدسية العلاقات الزوجية: يتعارض هذا الإجراء مع مبدأ حفظ الفروج، كما في قوله تعالى: “والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم”.

3. المشكلات الاجتماعية والأخلاقية: استغلال النساء الفقيرات وتحويل الأمومة إلى عملية تجارية تخالف القيم الأخلاقية.

 

وبناءً على هذه الاعتبارات، أصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عام 1402هـ قرارًا بتحريم تأجير الأرحام. كما أكدت دار الإفتاء المصرية حرمة هذا الإجراء، مشيرة إلى أنه يؤدي إلى طمس معاني الأمومة التي عظمتها الشرائع السماوية، ويحولها إلى سلعة تجارية تنافي الفطرة الإنسانية.

الخاتمة

بين الحاجة الإنسانية إلى الإنجاب والاعتبارات الأخلاقية والدينية، يبقى تأجير الأرحام قضية شائكة تُثير الكثير من التساؤلات حول حدوده القانونية والاجتماعية، فضلًا عن مخاطره الأخلاقية والشرعية. وفي ظل استمرار الجدل، تظل القيم الدينية والتشريعات القانونية هي الفيصل في حسم هذا الموضوع وفق المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي تحمي حقوق الأفراد والمجتمعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى