
لم أكن أرغب في فرحٍ صاخب، ولا في حكايةٍ خارقةٍ للعادة، ولا حتى في دندنةٍ موسيقيةٍ على شاطئ النيل أو صورةٍ مشبعةٍ بأسرار الكون تشعّ كضربة شمس. كان يكفيني فقط الهدوء والسلام، لكنكم لا تعلمون كم كلفني ذلك الهدوء، لأنني دفعته من رصيدي النفسي، دفعةً تلو الأخرى، حتى كدت أفقد نفسي.
عزيزتي، أنتِ نجمتي في عتمة الليل، فلا ليل دون نجوم، ولا أنا بدونكِ أنتِ.
منذ زمنٍ طويل، توقفت عن العتاب، لم أعد أسأل: لماذا اختفيت؟ إلى أين ذهبت؟ وماذا حلّ بك؟ لم يعد هناك شيء يستحق الاستفسار أو التوضيح. اللامبالاة أصبحت رداءً أتدثر به، لكنهم لا يفهمون ماذا يعني أن أفقد طاقتي، أن تتلاشى قدرتي على التفاعل، أن تتثاقل خطواتي.
لا أحد يعلم عن الألم الذي يسكن رأسي، ولا عن ذلك الوخز في أنحاء جسدي، ولا عن الكوابيس التي تقتحم نومي كجيشٍ غاضب، توقظني فزعًا. لا أحد يسمع صوت المطر الداخلي، حيث تسقط دموعي زخاتٍ زخاتٍ بلا توقف. ولا أحد يفهم ذلك الدوران المستمر في رأسي، كدوامةٍ تبتلعني في فراغٍ لا نهاية له.
أعود كل يومٍ مثقلَ الخطى، وكأنني اجتزت آلاف الكيلومترات في صحراءٍ قاحلة. أستلقي على فراشي، ترتفع الأصوات في رأسي، أتناول مفكرتي وأبدأ في تدوين الضجيج داخلي، أكتب حتى يهدأ الصراخ المتعالي في عقلي.
لطالما كنت خارج السرب، لا أحد يدرك ما يدور في ذهني، ولا أتعمّق في أي شيء، وكأنني أنتمي إلى قضيةٍ أخرى، وأرضٍ أخرى، وحربٍ لا تعني أحدًا سواي. وبينما كان الآخرون يمنحون مشاعرهم لشخصٍ يحبونه، كنتُ أنا أمنح قلبي بالكامل