مقالات الرأي عالمي
أخر الأخبار

وما العيد إلا وطن

بقلم:ناهد الروبي

 

يحل العيد والسودانيون مشتتون في بقاع الأرض، لكنه لا يغيب عن قلوبهم، ولا تفقد ذاكرته عبقه الأصيل. أغمض عينيّ وأستعيد ملامح العيد في بلادي، حيث العيد ليس مجرد مناسبة، بل طقس يحتفي بالحياة بكل تفاصيلها.

نبدأ الاستعداد قبل أيام، بالنظافة التي تمتد لكل زاوية، إعادة ترتيب كل شيء، طلاء الجدران بألوان زاهية، كأننا نرسم الفرح بفرشاة الأمل. تتجه العائلات إلى الأسواق، حيث تختار الأمهات والنساء أدق التفاصيل، متقنات فن الديكور بالفطرة. الأطفال يتحلقون حول الأقمشة الزاهية، تُنتقى لهم الملابس بعناية، كما تُختار الجلابيب للرجال لاستقبال العيد بوقار وفرح.

وفي المطبخ، تنطلق رحلة العيد الحلوة، حيث يعبق المكان برائحة البسكويت المعدّ لشاي الصباح العائلي، والكعك والغُريبة والبتفور التي تُخبز بحب وتُجهّز لاستقبال الضيوف، فيما تُجهّز العصائر الباردة والحلويات الفاخرة، فالكرم عنوان العيد في بلادي.

يبدأ العيد عندنا بصوت التكبيرات التي تصدح من المآذن، فتنهض البيوت استعدادًا، يرتدي الجميع أجمل ما لديهم، ويهرعون إلى المصليات في الساحات الواسعة. الشمس تشرق بحرارتها المعتادة، لكن دفئها يوم العيد يختلف، يحمل معه حنانًا خفيًا يلامس الأرواح.

وما إن تنتهي الصلاة، تبدأ أروع ملحمة للسلام، لا يعرف العيد عندنا الخصوصية، فكل البيوت مفتوحة، وكل الأيادي ممدودة بالتهاني، يستقبل أهل الحي مئات المصلين العائدين، بفرح كأنهم أهلٌ وأحباب، تُقدم لهم أطباق العيد، وتُسكب الدعوات الصادقة بأن يكون العام القادم عامًا خيرًا وبركة.

لكن…

اليوم يحل العيد ونحن في أماكن متفرقة، نحييه دون تفاصيل الوطن، لكنه يسكن في قلوبنا، فنحمله معنا أينما ذهبنا. نستنشق رائحة الذكريات، نُعيد طقوسه كما نستطيع، لأنه ببساطة… ما العيد إلا رائحة وطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى