هـل حـقًا انـتهت المعـركـة؟ 🌹 إلى تلك العـزيزة أكتب… 🌹
بقلم:الطيب احمد الطيب

مرحبا سندريلا،
لم أخبركِ من قبل عن صديقي ذكي… إنه أيضًا يعشق الكتابة، ليس مثلي، لكنه أفضل مني بكثير. هناك أشياء مشتركة بيننا، مثل عشقه لفتاة فاتنة تُدعى فيفيان. لربما هو مجنون أكثر مني، لكنني تجاوزتُ مرحلة الجنون، وها أنذا أكتب لكِ في الثانية صباحًا، بتوقيت الأسى، ولم يطرق النعاس أبواب جفوني.
أعلم أنكِ نائمة الآن، لكنني لم أنعس بعد… سمعت صديقي يحكي لفتاته أن المعركة قد انتهت، لكنها لم تنتهِ بالنسبة لي! أحدثكِ من خلف تلك الخنادق التي امتلأت بجثث الأصدقاء، وامتزجت الأجواء برائحة البارود والدماء، لكنها لم تكن كريهة إلى ذلك الحد، بل كانت ذكية كرائحة المسك وعبق الصندل.
هناك، في ساحة المعركة، الكل إخوة… تجدين من يخبرك عن ابنته ذات العامين، ومن يتفاوتون في الأعمار، جميعهم يعلّقون آمالهم على عودة آبائهم، لكن الآباء لا يعودون، لأن الموتى لا يعودون، وحتى الذين لم يموتوا… لا يعودون، لأن المعركة لم تنتهِ بعد.
وبين ألسنة اللهب المتطايرة، وتصاعد سحابات الدخان، وأنين الجرحى، ستجدين صديقي هناك، مجروحًا، يحمل صورة لطفلة في الثامنة من عمرها، وكان عيد ميلادها التاسع قد حان.
كانت تشبهكِ أنتِ يا سندريلا، وتشبه فيفيان في ابتسامتها، وتشبه فتاة نوبية أبوسنية في سمرتها، في بلدٍ يُدعى السودان.
أخبرني باسم ابنته… جمانة.
كان الاسم منقوشًا على تلك الصخرة التي اعتاد الجنود نقش أسماء عشيقاتهم عليها، إلا صديقي، الذي نقش اسم ابنته… جمانة.
وبعد انتهاء المعركة… حسنًا، لماذا أقول انتهاء؟ فالمعنى الأدق توقُّف، ربما من فرط رغبتي في أن تنتهي كما قال صديقي. ذهبتُ أبحث عن الطفلة العزيزة جمانة… أتعلمين، يا سندريلا؟
أكاد أجنُّ من ذاك الواقع المؤلم!
كل أطفال بلدي جمانة، كل أبواب البيوت التي طرقتها قادتني إلى جمانة…
لذلك، يا صديقتي، أقول: لم تنتهِ المعركة بعد…
بل توقَّفنا من فرط الاكتئاب والهزيمة التي سكنت فينا، بل في كلا الطرفين في ساحة المعركة…