
يقولون إن الشجاعة هي الاستعداد لمواجهة المصائب التي لا مهرب منها برباطة جأش، وإن اتخاذ الموقف الدفاعي في لحظات الحسم ليس ضعفًا، بل قد يكون عين القوة. من هذا المنطلق، فإن ظهور الأستاذ علي محمود، وزير المالية السابق ووالي ولاية جنوب دارفور، عبر تسجيلاته الصوتية التي ملأت الآفاق وشغلت وسائل التواصل الاجتماعي، هو دليلٌ دامغٌ على أنه من طينة الشجعان الذين خصّهم الله بقول “للأعور أعورٌ”، بينما آثر آخرون الصمت أو ارتداء اللون الرمادي، ذلك اللون المكروه لدى السودانيين، وهم يخوضون معركتهم المصيرية ضد أكبر تآمر دولي، أداته فيه مليشيا الدعم السريع المتمردة.
الصوت الذي فضح المتخاذلين
استمع الناس إلى كلمات علي محمود، فوجدوا فيها كلمة الحق التي كان يجب أن تُقال، ووجدوا فيها مواجهة صريحة لأولئك الذين ظنوا واهمين أن السودان سيبتلعه التمرد، وإذا بالرجل يكشف الحقائق بوضوحٍ لا يقبل اللبس. من كان يظنهم الشعب السوداني أخيارًا، تبين أنهم من أكابر المجرمين، ممن عاشوا في نعيم (56 عامًا)، حتى جاء يومهم الذي قرروا فيه خيانة الأرض والشعب، فكانت كلمات علي محمود كسيفٍ مسلولٍ يقطع الوهم ويكشف الحقائق.
لقد تحدث الرجل عن الحرب التي قادها المتمرد حِمِيدتي، وعن الشباب المخدوعين الذين زُج بهم في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فحمل السلاح لا دفاعًا عن وطن، بل دفاعًا عن دولة العطاوة، وهم أنفسهم بعيدون عنها كبُعد الثرى عن الثريا!
ليس بحثًا عن مال أو جاه.. بل موقف وطني
لم يكن ظهور علي محمود سعيًا خلف المال أو السلطة، بل كان طوق نجاة لمن تبقى من أبناء القبائل التي انساقت خلف التمرد. كان الرجل مدركًا أن هذا هو الوقت الذي ينبغي فيه تسجيل موقفٍ وطنيٍ واضح، وأن القوات المسلحة، بتاريخها العريق، لن تتوانى عن اجتثاث هذا السرطان الذي نخر جسد السودان.
مواقف علي محمود جاءت لتؤكد أن الرجل يحمل قلبًا مشبعًا بالشجاعة، وهو لم يضرب ظل الفيل، بل طعن الفيل ذاته، في وقتٍ آثر فيه الكثيرون الصمت، متناسين أن كلمة واحدة قد تنقذ الكثيرين من التورط في هذه الفوضى. لقد كان موقفه واحدًا من المواقف التي أظهرت معدن الرجال الحقيقيين، حيث تمايزت الصفوف، وفرزت الحرب البيض من الحميض!
“الشجاع عندي من أمسى يغني والدمع في الأجفان”
إن رسائل علي محمود لم تكن مجرد كلماتٍ تُقال، بل كانت رعدًا مدويًا، رجع صداها نصرًا تلو نصر، وفتحًا بعد فتح، لأن الزبد يذهب جُفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
ويبقى السؤال الحارق: أين الساسة الذين ملأوا الدنيا صخبًا في الأيام الماضية؟
وأين أصحاب الأوسمة والنياشين من أبناء دارفور؟
أما علموا أن الشعب السوداني قد اتخذ قراره بدونهم؟
أما أدركوا أن الناس اصطفوا مع جيشهم، بلا تردد، بلا خوف، وبلا مساومة؟