
بعد الهروب الكبير لمليشيا التمرد من مدينة الكاملين، وجد أهالي هذه البلدة الصغيرة أنفسهم بين مصدق لدخول جيوش التحرير، القوات المسلحة، وبين متوجس من أن يكون هناك أمر مدبر من المليشيا، ربما يكون أفظع من مجرد الهروب.
لم تمضِ سوى بضع ساعات على فرار المليشيا حتى دخلت المدينة قوات القوات المشتركة، التي واصلت طريقها نحو الخرطوم، ثم لحقتها الكتائب التي هزّت ورزّت، قبل أن ترتكز وسط المدينة قوات الشعب المسلحة والقوات المساندة القادمة من الدمازين، مما أعاد الفرح إلى قلوب الأهالي، رغم امتزاجه بالدموع. استقبل المواطنون الجيش السوداني بفرحة غامرة، كما استقبل الأنصار جيوشهم عند حصار الخرطوم في تلك الأعوام البعيدة ودخولهم السرايا.
ككاتب صحفي، كنت أسجل هذه الأحداث، الصغيرة منها والكبيرة، في مدينة الكاملين، التي لجأت إليها واتخذت منها متكأ طيلة العامين الماضيين من عمر الحرب.
ربما يمكن اعتبار الكاملين المدينة النموذجية بين مدن الجزيرة وقراها، حيث يطالب بعض الأهالي بإخلاء بعض القرى تمامًا من أي وجود للمليشيا. غير أن الوضع في الكاملين كان مختلفًا، فقد شهدت المدينة أسوأ الظواهر المتمثلة في زيجات بين أفراد من متمردي حميدتي وفتيات من سكان الكاملين، ممن هاجروا إليها واستقروا فيها منذ أزمان بعيدة، ولم يكونوا من السكان الأصليين للمدينة.
من جهة أخرى، يرى بعض المراقبين أن علاقة النسب هذه بين المليشيا ومجتمع الكاملين، إلى جانب اضطرار التجار المحليين إلى شراء ما يعرضه المتمردون من بضائع منهوبة، كان مجرد سلوك تجاري للحفاظ على موارد المدينة، وليس تواطؤًا معهم.
وقد برر البعض عدم ارتكاب المليشيا لجرائم جنائية ضد المواطنين في الكاملين بأن المدينة كانت معارضة لنظام الإسلاميين، مما جعلها حاضنة لهم. بينما يرى آخرون أن الأمر لم يكن بهذه البساطة.
نواصل…