
لا أنسى أبدًا يا طارق ذلك اليوم الذي جئتني فيه حزينًا. أظهرت حزنك وضعفك أمامي لتخبرني أن من تعزّها قد فارقت الحياة، تلك التي كانت بمثابة عصاك التي تستند بها وتستجير من بؤس الأيام. رأيت الدموع تتجمع في مقلتيك لأول مرة. كنتَ حزينًا كما لم تكن من قبل. أمسكتُ بيدك وأخبرتك: “لا بأس، إذا رحلت جدتك، أنا هنا، أنا ملجأك وسندك.” كنت كطفل صغير ترغب أن يحتضنك أحدهم ويخبرك: “لا بأس، كل شيء سيكون بخير.” لم يكن في مقدوري فعل ذلك، لكنني أحطتك بقلبي، ودعوت الله مرارًا وتكرارًا أن يثبت قلبك على ما أصابك.
بالرغم من كل هذا، كنت تظهر للبقية صامدًا ثابتًا، تبدو بخير تمامًا أمامهم. لكنني أنا وحدي كنت أستطيع النظر إليك مرة واحدة فأدرك أنك لست بخير. أحفظ نبرة صوتك عن ظهر قلب، فلا يمكنك خداعي بكلمة “أنا بخير” وتلك الضحكة المصطنعة، لا يمكنك إقناعي بها. قد يصدقك الجميع إلا أنا يا طارق، لا يمكنك النظر في عينيّ وتعمد الكذب. حتى في تلك المرات التي حدثتني فيها هاتفيًا وكنت تكذب فيها وتخبرني أنك بخير، كنت أعلم. ولكني تعمدت المضي قدمًا معك في كذبتك لشيء واحد فقط، وهو أنني أردتك أن تكون بخير حقًا. بعض الكذب إن صدقناه صار حقيقة.
ثمة أشخاص في محيط حياتنا مثل المرايا، نقف أمامهم فيُفضح أمرنا. لا شيء يخفى عليهم. تبدو شفافًا جدًا، نتجرد من كل قناع، نبدو على حقيقتنا. نعايش كل شعور بحقيقته، لا نصطنع شيئًا، لأننا ندرك أننا أمام أرواح ما هي إلا انعكاس لأرواحنا. لذلك لا نخشى شيئًا، لأن هذا لن يغير من محبتهم لنا.
فاللهم ارزقنا حسن الصحبة.